من فضلك قم بزيارة مدونتى "تعالوا "

Thursday, November 19, 2009

حكاية نورا و المنتخب الوطنى - بقلم علاء الأسوانى


أردت أن أكتب هذا الأسبوع عن سيدة مصرية اسمها نورا هاشم محمد، لكن النصر العظيم الذى حققه منتخبنا الوطنى على منتخب الجزائر فى كرة القدم، لا يمكن تجاهله.. من هنا قررت أن أكتب عن الموضوعين معا:
لا يوجد ما يميز نورا هاشم محمد لأنها مثل ملايين المصريات: سمراء ومتوسطة الجمال وفقيرة.. وقد تزوجت من عامل بسيط اسمه هانى زكريا مصطفى وأنجبت منه ولدين وخاضت معه كفاحا يوميا ضاريا من أجل لقمة العيش وتربية الولدين.. وذات يوم أحست نورا فجأة بإعياء شديد..

كانت مباراة منتخبنا الوطنى مع منتخب الجزائر، معركة مصيرية ظهر خلالها معدن المصريين الأصيل فتناسوا خلافتهم ووقفوا جميعا صفا واحدا خلف منتخبهم الوطنى. ولما كان الإعلام الجزائرى قد تورط فى السخرية من منتخبنا القومى بطريقة بذيئة فقد قام الإعلاميون المصريون بالرد على ذلك بوابل من الإهانات الموجعة للجزائريين..

وعندما صرحت المطربة الجزائرية وردة بأنها ستشجع فريق الجزائر أحس مصريون كثيرون بالغضب وتساءلوا : كيف تجرؤ وردة على تشجيع الفريق الجزائرى وهى التى تعيش فى مصر وتنهل من خيرها منذ عقود..؟ وطالب بعض المدونين على الإنترنت بمنع دخول وردة إلى مصر عقابا لها على تقاعسها عن تشجيع منتخبنا الوطنى.

فى البداية أرجعت السيدة نورا إحساسها بالإعياء إلى قلة النوم وكثرة عملها فى البيت، وقد أخفت الأمر عن زوجها هانى حتى لا تزيد من متاعبه. لكن تعبها زاد حتى رقدت فى الفراش.. عندئذٍ أصر هانى على اصطحابها إلى عيادة خاصة ودفع الكشف للطبيب الذى فحصها ونصح بنقلها فورا إلى المستشفى.

حرص سيادة الرئيس مبارك على حضور تدريب المنتخب الوطنى وقضى وقتا مع اللاعبين ليشد أزرهم قبل المباراة..

والحق أن رعاية الرئيس مبارك للرياضيين معروفة، ولعلنا نذكر عندما مات ألف وأربعمائة مصرى غرقا فى حادثة العبارة الشهيرة.. فإن حزن الرئيس مبارك آنذاك على الضحايا لم يمنعه من حضور تدريب المنتخب الذى كان يستعد لمعركة مصيرية أخرى فى نهائى كأس أفريقيا..
عندما وصل هانى زكريا وزوجته نورا إلى مستشفى صدر إمبابة، كانت الساعة الثانية صباحا.. كشف الطبيب على نورا بسرعة وقال إن حالتها عادية ولا تحتاج إلى مستشفى ثم انصرف، حاول هانى أن يلحق به ليتناقش معه لكنه لم يسمح له بمقابلته..

رجع هانى إلى موظف الاستقبال ورجاه أن يساعده حتى يتمكن من علاج زوجته.. عندئذٍ قال له موظف الاستقبال بوضوح:
إذا أردت أن تعالج زوجتك. ادفع الآن مبلغ 2000 جنيه..

أثناء مباراتنا مع الجزائر، وبالرغم من الخشونة المتعمدة من الجزائريين فقد مارس لاعبونا أقصى درجات ضبط النفس. كما ظهر تدين المصريين العميق واضحا أثناء المباراة وقبلها.. فارتفعت دعوات ملايين المصريين إلى الله لكى يسجل الفريق المصرى هدفين على الأقل..

وظهر المطرب ايهاب توفيق فى التليفزيون وطلب من المشاهدين جميعا الدعاء للمنتخب، مؤكدا أن فى مصر رجالا صالحين كثيرين وهؤلاء قطعا دعاؤهم مستجاب..

أصيب هانى بالذهول عندما استمع إلى المبلغ المطلوب منه، وسأل موظف الاستقبال بصوت خافت إن كان مستشفى صدر إمبابة مازال يتبع الحكومة المصرية؟

أخبره الموظف، بفتور، أنه مازال يتبع الحكومة لكنه يجب أن يدفع ألفى جنيه.. قال هانى إنه فقير ولا يملك هذا المبلغ.. لم يرد الموظف عليه وانصرف إلى قراءة أوراق أمامه.. بدأ هانى فى التوسل للموظف حتى يسمح بعلاج زوجته.

صباح يوم المباراة، صرح الناقد الرياضى المعروف ياسر أيوب فى التليفزيون، بأنه فى حالة فوز المنتخب على الجزائر والتأهل للمونديال..

فإن كل لاعب فى المنتخب سوف يحصل على مكافأة مالية قدرها 6 ملايين جنيه مصرى من الدولة واتحاد الكرة.. ولما بدا على وجه المذيعة بعض الاستغراب من ضخامة المبلغ.. قال ناقد رياضى آخر:
اللاعبون فى المنتخب يستحقون أكثر من ذلك، لأنهم يبذلون مجهودا خرافيا من أجل إدخال الفرحة على قلوب المصريين.

لما يئس هانى من إقناع موظف الاستقبال فى مستشفى صدر إمبابة، أخذ زوجته التى بدأت تترنح من الإعياء والحمى وذهب بها إلى مستشفى صدر العمرانية، حيث كشف عليها الطبيب هناك وقال إنه يشتبه فى أنها مريضة بإنفلونزا الخنازير، وأخبره بأنه لا يستطيع علاجها فى المستشفى لأنها غير مجهزة لمثل حالتها. ونصحه باصطحاب زوجته إلى مستشفى أم المصريين حيث توجد التجهيزات الطبية اللازمة..

لا يقتصر حب الرياضة على الرئيس مبارك لكنه يمتد أيضا إلى ولديه جمال وعلاء، وقد حرص الاثنان على الذهاب إلى الاستاد لتشجيع المنتخب وذهب معهما معظم الوزراء وكبار المسئولين بمن فيهم وزير الصحة الذى جلس بجوار السيد جمال مبارك مباشرة.. وقد رأينا فرحة كل هؤلاء الغامرة عندما أحرز عمرو زكى الهدف الأول فى مرمى الجزائر.

شكر هانى الطبيب وأخذ زوجته نورا وهرع إلى مستشفى أم المصريين، حيث توسل إلى المسئولين هناك حتى ينقذوا زوجته التى بدأت تبصق دما، لكن الطبيب فى أم المصريين طمأنه تماما وقال إن حالة زوجته عادية ولا تحتاج إلى الحجز فى المستشفى.. ونصحه بالعودة بها إلى مستشفى صدر العمرانية لأنها الجهة المتخصصة فى حالتها..

بعد الهدف الأول، وبالرغم من الجهد الكبير والروح القتالية، لم يستطع لاعبونا أن يسجلوا فى مرمى الجزائر لمدة 90 دقيقة كاملة.. وقد بان الغضب على وجوه كبار المسئولين الجالسين فى المقصورة.. حتى إن السيد علاء مبارك لم يتمالك نفسه وأشاح بيده اعتراضا على إضاعة منتخبنا عدة فرص لأهداف مؤكدة.

عاد هانى من جديد، وهو يكاد يحمل زوجته نورا، إلى مستشفى صدر العمرانية، ولأول مرة يرتفع صوته غاضبا فى وجه الطبيب:
ـ لماذا أرسلتنى إلى مستشفى أم المصريين إذا كان علاج زوجتى هنا..؟

أكد له الطبيب أن تشخيصه صحيح وأنهم فى مستشفى أم المصريين يتهربون من علاج المرضى.. وطلب منه شهادة رسمية من مستشفى أم المصريين بأن حالة نورا عادية وليست خطيرة.. عندئذٍ اعتذر هانى للطبيب عن حدته فى الكلام وأخذ زوجته من جديد إلى أم المصريين وطالبهم بإعطائه شهادة بحالة زوجته الصحية..

والحق أنهم هذه المرة عاملوه بلطف، وأكدوا له انهم سيعملون التحاليل اللازمة لزوجته نورا لكن عليه أن يعود بها فى الثامنة صباحا، لأن مسئولة التحاليل غير موجودة (تبين بعد ذلك أنها كانت موجودة لكنها أرهقت من العمل فطلبت من زملائها صرف المريضة نورا بأى طريقة)..


كادت المباراة تنتهى وفى الوقت بدل الضائع، تمكن عماد متعب من إحراز الهدف الثانى فى مرمى الجزائر، ورقصت مصر كلها طربا.. بل إن الدكتور حاتم الجبلى وزير الصحة، نسى وقار منصبه والكاميرات المسلطة عليه، وقفز من مكانه واحتضن جمال مبارك ليهنئه بالنصر العظيم.

عاد هانى بزوجته نورا إلى مستشفى صدر العمرانية ليودعها حتى الصباح ثم يأخذها بعد ذلك لعمل التحاليل فى أم المصريين، وكانت حالة نورا قد ساءت لدرجة أنهم وضعوها على جهاز التنفس الصناعى ولم تلبث أن لفظت أنفاسها الأخيرة قبل أن تتمكن من إجراء التحاليل اللازمة لتشخيص حالتها.. ماتت نورا هاشم محمد وهى لم تتجاوز الخامسة والعشرين، وتركت زوجها هانى وولدين صغيرين..

ولعلنا البلد الوحيد الذى يموت فيه الناس بهذه الطريقة.. على أن مأساة نورا هاشم محمد لا يجوز أن تعكر صفو فرحتنا بالنصر على الجزائر.. لقد استجاب الله لدعائنا وجعلنا نحرز هدفين نظيفين..وهكذا أذقنا الجزائريين من كأس الهزيمة وسوف نسحقهم بإذن الله فى مباراتنا المقبلة...

مبروك لمصر الوصول إلى المونديال ورحم الله السيدة نورا هاشم محمد...
..الديمقراطية هى الحل..

Thursday, August 20, 2009

تغيير بسيط فى عنوان الحقيقة - فهمى هويدى

أخطأ جماعة حزب الوسط
ثلاث مرات، مرة لأنهم أرادوا أن يشكلوا حزبا مدنيا، والمرة الثانية لأنهم أرادوه بمرجعية وسطية إسلامية، والمرة الثالثة لأنهم ظنوا أن قرار مفوضى مجلس الدولة بتميز برنامجهم عن غيره من الأحزاب يعنى أنهم حصلوا على ضوء أخضر يضمن لهم الانتقال من الحظر إلى الإباحة. لا أعرف إلى أى مدى فوجئوا بقرار عدم التصريح لهم للمرة الرابعة بإقامة الحزب، لكن الذى أعرفه أن الوضع الراهن فى مصر لا يريد حزبا حقيقيا، ولكنه يفضل هياكل كاريكاتورية شبيهة بالأحزاب الــ 24 المتوافرة لدينا. وهى التى تتمتع بـ«مرونة» تسمح لها بأن تتحول عند اللزوم إلى أجنحة مساعدة للحزب الوطنى الحاكم، ثم إن حكاية الوسطية الإسلامية باتت تثير حساسية لدى أجهزة الأمن، لأن انتشار تلك الدعوة سواء من خلال الحزب أو غيره من شأنه أن يغلق دكاكين كبرى تعيش على التطرف الذى أصبح المبرر الوحيد لوجودها.


وإذا طويت صفحته فإن تلك الجهات ستصبح بلا عمل، وأشخاصا كثيرين سيبحثون عن مورد رزق آخر، هذا إذا لم يعثروا على «فزاعة» أخرى تثير قلق النظام وتقتضى الاستنفار المستمر. أما إحسان الظن بقرار هيئة مفوضى مجلس الدولة وتوهم أن إنصافه لبرنامج الحزب يشكل وثيقة يمكن أن تحسم مصيره وتؤدى إلى إجازته، فهو تعبير عن براءة مفرطة، ودليل على أن بين الراغبين فى الاشتغال بالسياسة أناسا لم يستوعبوا بعد قواعد اللعبة السياسية فى مصر المحروسة. ولديهم قدر من حسن النية جعلهم يصدقون بعض الأقوال الشائعة التى تدعى مثلا أن حكم القضاء هو عنوان الحقيقة، وهذه الأخيرة من بين المقولات التى رددها أهل «السلف» من رجال القانون يوما ما، ممن يدركون أن الدنيا اختلفت وأن «العنوان» فقط هو الذى تغير، فانتقل من القضاء إلى الأمن والذين قرأوا كتابات جورج أورويل ــ الأديب البريطانى ــ أقدر على استيعاب هذا التحول لأنه فى إحدى رواياته وصف وزارة الداخلية والأمن بأنها وزارة الحقيقة. حتى بعض القضاة عندنا لا يزالون يعيشون فى ظل ذلك الوهم، فقد قرأت فى جريدة الشروق (عدد 6/8) أن محكمة القضاء الإدارى بالفيوم أمرت باعادة مدرس إلى عمله، وإلغاء قرار وزير التعليم بفصله بناء على تعليمات أمنية، بدعوى أن المدرس منضم إلى جماعة الإخوان، وجاء الحكم الذى أصدره المستشار محمد حسين خالد أن المدرس (جمعة أحمد) فوجئ بصدور قرار يمنعه من التوقيع ومن دخول المدرسة التى يعمل بها، حتى لا يختلط بالتلاميذ بدعوى (الحفاظ على الأمن العام).


وهو ما اعتبرته المحكمة عاريا عن الشرعية، فقضت بأن فصل المدرس من عمله إجراء غير قانونى، لأنه استند إلى تحريات جهات الأمن التى جاءت للتعبير عن هوى شخصى، فى حين أنه ليس فى نصوص القانون، ما يتطلب أخذ موافقة الجهات الأمنية لتعيين المواطنين فى الوظائف الحكومية. لا تسأل عن مصير الحكم، فى ظل أجواء الحرية الراهنة التى تتيح للقضاء، كما تتيح للصحافة، أن يقول ما يشاء كما أن للأمن أن يفعل ما يشاء. هذا الكلام ليس فيه أى مزح أو مبالغة، آية ذلك أن مجلس الدولة أصدر حكما منذ شهرين بالإفراج عن 13 شخصا من الإخوان، بعد أن قضوا ثلاثة أرباع المدة (كل واحد كان عليه حكم بالسجن لمدة 3 سنوات).


ورغم أن أحكام مجلس الدولة ـ طبقا للقانون ــ نافذة المفعول وواجبة النفاذ ولا يوقف تنفيذها أى إشكال، فإن الداخلية رفضت إطلاق سراحهم، واحتالت لعدم تنفيذ الحكم، فقدمت بالمخالفة للقانون استشكالا أمام محكمة غير مختصة لمعارضة خروجهم، ولعدم اختصاص المحكمة، فإن نظر القضية تأجل، وبقى الجميع فى السجن لم يغادروه. تحدى الأحكام القضائية بلغ ذروته حين قررت محكمة جنايات القاهرة هذا الأسبوع إطلاق سراح معتقلين من سراى المحكمة فى مقدمتهم الدكتور محمود حسين الأستاذ بكلية الهندسة، وهو ما كان يعنى أنه لا توجد بحقهم أى شبهة إدانة، والأمر الذى فاجأ الأجهزة الأمنية التى لم تكترث بالحكم، ولم تأبه به فحملت المجموعة إلى سجن طرة، فيما يعد «اختطافا» لأنهم كان ينبغى أن يعودوا إلى بيوتهم مباشرة. هؤلاء جميعا كانوا بدورهم دعاة الإسلام الوسطى، لذلك فلم يفاجئنى قرار لجنة شئون الأحزاب رفض طلب إنشاء حزب الوسط، لأن المفاجأة الحقيقية أن وكيل مؤسسيه المهندس أبو العلا ماضى استدعى لحضور اجتماع اللجنة. ولم يستدع إلى نيابة أمن الدولة، ثم عاد إلى بيته ولم يلحق بسابقيه إلى سجن طرة، وهى مكرمة لم يقدرها الرجل، الذى سمعته محتجا فى بعض الفضائيات، فى حين كان ينبغى عليه أن يبعث إلى «جماعتنا» ببرقية شكر. وربما كان ذلك خطأ رابعا أرجو ألا يحاسب عليه!

Thursday, July 9, 2009

فتح الله جولن ..المفكر الأول فى العالم



هل الحركة التي تتبع فتح الله جولن تمثل طبعة حديثة للإسلام، أم أنها محاولة خفية لتسريب الدين إلى تركيا العلمانية؟
بهذا السؤال الموحي بدأت الجارديان البريطانية تقريرها المنشور يوم الإثنين 23 من يونيو 2008 حول التصويت الذي أجرته كل من مجلتي بروسبكت البريطانية وفورين بوليسي الأمريكية حول أهم 100 مفكر على مستوى العالم، وكانت المفاجأة اختيار جولن كأهم شخصية في هذا التصويت، وأن الشخصيات العشر الأولى التي اختيرت كانت كلها مسلمة منهم اثنان من حائزي جوائز نوبل: الروائي التركي أورهان باموك، والحقوقية الإيرانية شيرين عبادي.
وقد فاجأت تلك النتيجة منظمي التصويت الذين عزوه إلى حملة منظمة من قبل متبعي جولن وذلك بعد قيام جريدة "زمان" أكبر صحيفة تركية بنشر الاستطلاع، وهو ما دعا "ديفيد جوهارت" رئيس تحرير مجلة بروسبكت إلى وصف الأمر بأنه استهزاء بالتصويت من قبل متبعي جولن، وأن الأمر يشير إلى احتقان الوضع السياسي في تركيا على اعتبار أن حركة جولن داعمة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
طالع:
موقع فتح الله جولن


وقد أنكر بولنت كينيز رئيس تحرير جريدة زمان أن يكون التصويت قد تعرض لعملية قرصنة، قائلا: إن هناك العديد ممن يروجون فكر جولن الذي يساهم في السلام العالمي بتشجيعه على الحوار والتسامح العالمي.
فمن هو فتح الله جولن؟ وما هي ملامح المشروع الذي يقدمه إلى العالم؟
جولن.. وخريطة الحب
عندما كنت في الثانية أو الثالثة عشرة من عمري وكنت حينئذ أدرس في تركيا، كنت أحمل كتابا في يد وخريطة للعالم في اليد الأخرى سائلا ربي: "كيف يمكننا يا رب أن نصبح عالما يربطه الأمل والحب والعلم وقد حلت مشكلاته الاجتماعية؟".
هكذا تكلم فتح الله جولن الداعية والعالم الإسلامي التركي الأبرز، والذي يحمل حلما عظيما من أجل الإنسانية يعمل على تحقيقه من خلال جهود الملايين الذين يتأثرون بدعوته والذين قدرهم البعض بأربعة ملايين في أنحاء العالم.
فكيف استطاع هذا الصبي أن يجعل من حلمه شيئا قابلا للتحقق؟ بل أن يجعل من مجرد فكرة قد تعبر على خواطر الكثيرين من الناس دونما حتى أن تعاود المرور مرة أخرى، أن يجعل من تلك الفكرة واقعا متجسدا في عدد من المشاريع والمؤسسات والأنشطة التي تملأ الأرض، على أمل أن يأتي ذلك اليوم الذي كان يحلم به؟
تربى فتح الله جولن في أحضان طلبة النور منذ عام 1957م، وفي فترة الستينيات عمل إماما وواعظا رسميا في المساجد، ومن ثم فقد اتسم شيئا فشيئا بالانفتاح على المجتمع من خلال وسائل الدعوة العامة، بدلا من الاقتصار على الحلقات في دوائر الحركة الداخلية.
ومن ثم كان عمله للدعوة عاما، إلقاءً للخطب والدروس في المساجد، وإدارة للمعسكرات الصيفية للشباب، وإلقاءً للمحاضرات في الأماكن العامة، وصارت محاضراته وخطبه تلك تسجَّل وتنتشر في أوساط الشباب، وهو ما لم تعتد عليه كوادر الحركة في ذلك الوقت المبكر.
وفي فترة السبعينيات أثمرت تحركات جولن الواسعة وسط الجماهير عن تأسيس حركته الخاصة، والتي هي بالأساس امتداد لطلبة النور في المجال العام، ومن ثم فهي تعتمد على الأساس الروحي المتين الذي كانت تتلقاه فيما يسمى بـ"بيوت النور" والتي تشبه الحلقات النورسية، ثم أضافت لها بداية من عام 1978م نشاطها المؤسسي في المجال العام، والذي تجلى في إنشاء أول مؤسسة تعليمية تابعة للحركة، وكانت عبارة عن "درسخانة"، -وهي المؤسسات المعنية بإعداد الطلاب لامتحان الالتحاق بالجامعة- فبينما كان سائر الإسلاميين معنيين بمدارس الأئمة والخطباء، كانت الحركة معنية بالتعليم العام لإخراج أجيال مسلحة بالمعارف الحديثة إضافة إلى الأخلاقيات الإسلامية.
وفي عام 1979 كان الموعد مع "سيزنتي" أول صحيفة ناطقة باسم الحركة، تعمل على بناء معارف علمية مؤسسة على الإسلام، وهكذا دخلت الحركة إلى ساحة المجال العام التعليمي والإعلامي مسلحة بالأساس الإيماني والأخلاقي المتين، وهو ما صار عنوانا على الحركة حتى يومنا هذا.
من تلك البدايات العملية البسيطة انطلقت حركة فتح الله جولن مشحونة نفوس أبنائها بطاقة روحية إيمانية وأخلاقية متينة، يجذبهم أفق بعيد لعولمة إنسانية جديدة، يحملون مسئولية تأسيسها على أعناقهم، موفرين لها كل ما تحتاجه من موارد مالية وبشرية تتحرك بها قلوبهم قبل أن تتحرك بها أبدانهم، فكما يعلمهم جولن: "الحقيقة هي أنه إن كان هناك ثمة عالم مشرع الأبواب لنظام عالمي جديد فهو عالمنا نحن، وسيتناوله الجيل القادم على أنه عصر نهضتنا نحن". ومن ثم فإن الحركة في عقدي الثمانينيات والتسعينيات انطلقت بقوة في ميادين التعليم والإعلام والحوار (سواء حوار الأديان، أو الحوار بين المثقفين) داخل وخارج تركيا لتحقيق ذلك الهدف البعيد، ولنأخذ التعليم كمثال لنموذج الرؤية والعمل في تلك المجالات.


الأساس الروحي للحركة

طاقة الإيمان لخدمة الحق
لعل أهم أسس حركة فتح الله لمن يريد أن يفهمها هو الأساس الروحي الإيماني والأخلاقي، والذي يضرب بجذور أفكاره إلى قرون ما يعرف بالتراث الصوفي الأناضولي، ممثلا في مولانا جلال الدين الرومي وغيره من أئمة السالكين، والذي تجسد حيا في القيادة الروحية لفتح الله جولن وكتاباته المستفيضة في هذا الباب، والتي هي روح تسري في كتاباته، وفي تلاميذه وفي مؤسساتهم التي أنشئوها، وفي روح دعوتهم وحركتهم في العالم، ولعل هذا هو السر البسيط والصعب في آن واحد لكل ما حققته الحركة من إنجازات، فتلك الروح التي تسري فيهم هي الوقود الدائم المتجدد الذي يمدهم بالطاقة للبذل والعطاء، سواء أكان البذل والعطاء ماديا؛ بالمال أو بالجهد والوقت، أو معنويا بطاقة الحب لله والحب لجميع خلق الله، والشوق لعالم يملؤه الإيمان بالله والحب والسلام بين البشر على اختلاف أعراقهم وطبقاتهم وأوطانهم وأديانهم.
بكل هذه الطاقة من الإيمان والحب والتسامح والفناء في خدمة الحق وخدمة الخلق تسير الحركة يحدوها الإيمان بأن الإنسان لم يُخلَق من أجل هذه الدنيا، بل إن الدنيا خُلقَت من أجل الإنسان، وإنما خلق الإنسان من أجل خدمة الحق والخلق، وأن ما يؤتاه في هذه الدنيا إنما هو متاع يبلغ به مبتغاه في الدنيا والآخرة.
التعليم وبناء الروح.. على هذا الأساس الروحي المتين انطلقت الحركة لتشيد مؤسساتها التعليمية التي قاربت الـ600 على مستوى العالم، والتي قدمت من خلالها رؤيتها الخاصة في الإجابة على الأسئلة الخمسة الأساسية في صياغة العملية التعليمية:
- لماذا نتعلم؟
فحسب رؤية جولن الإنسان يتعلم حتى يلبي احتياجا طبيعيا لديه في الاكتمال والوصول إلى مصاف الإنسانية الحقيقية والوصول من ثم إلى الثبات والوضوح في التفكير والتخيل والمعتقد، وجعل المعرفة مرشدا في الحياة تضيء الطريق للإصلاح الإنساني.
- ماذا نتعلم؟
تركز مدارس الحركة على مكونين أساسيين لمحتوى التعليم، هما العلم والدين (الإيمان والأخلاق) في شكله المعاش، ومضمونه الإنساني القيمي العام، حيث إن "حياة المجتمع تعتمد على المثالية والأخلاق الحسنة، وكذلك على الوصول إلى المستوى المطلوب من التقدم العلمي والتكنولوجي".
- من الذي يتعلم؟
تنتشر المؤسسات التعليمية التي أنشأتها الحركة في ربوع تركيا وفي الكثير من بلدان العالم، مقدمة خدماتها التعليمية لطلابها من المسلمين وغير المسلمين على السواء، وكما عبر أحد الباحثين الأتراك: "تأثرا بأفكاره، أصبح تلامذة جولن نشطاء في المجال التعليمي، وفي الثمانينيات والتسعينيات تم تأسيس 150 مدرسة خاصة (داخل تركيا)، و150 مركزا (درسخانة) تعطي برامج -دراسية- إضافية. والآن توجد 250 مؤسسة تعليمية تأسست متأثرة بأفكار الحركة خارج تركيا في كل ربوع العالم تقريبا، وقد تركزت في بلدان البلقان والاتحاد السوفيتي السابق والخارجة من العهد الشيوعي".
- من الذي يعلم؟
حيث ركز جولن على أهمية ومحورية دور المعلم والمدرسة وخصائصهما الواجبة في كتاباته، حيث يقول: إن المعلم الحق هو ذلك الذي يبذر البذرة الطاهرة ويحافظ عليها، إن من واجبه أن يكون ممتلئا بكل ما هو جيد وصالح، وأن يقود ويرشد الطفل في حياته وفي وجه كل الأحداث. ويقول أيضا: المدرسة هي المكان الذي يمكن للإنسان فيه أن يتعلم كل شيء له علاقة بالحياة والآخرة، إنها يمكن أن تلقي الضوء على الأفكار والأحداث الحيوية، وتمكّن طلابها من فهم بيئتهم الطبيعية والإنسانية، وإن المدارس الجيدة التي تستحق هذا الاسم هي سرادقات للملائكة تنمي الإحساس بالفضيلة في تلاميذها وتقودهم ليحققوا نبل العقل والروح.
- كيف نعلم؟
لعل السؤال الذي يثور دائما حينما تذكر تجربة حركة فتح الله جولن التعليمية، وركائز الإيمان والأخلاق التي ترتكز عليها (إضافة إلى العلم) هو: كيف يمكن لتلك التجربة أن تنجح في توصيل المعاني التي تريد، في بلاد تتبع نهجا علمانيا متشددا يمنع من تعليم الدين في مدارسه؟
وقد نجحت تجربة جولن في الإجابة على ذلك السؤال الصعب، اقرأ له يقول: "إننا نقول بحق، إن الألسنة والكلمات ليست لديها شيء لتقوله في وجود الأفعال، فحينما تتكلم السلوكيات، فهل هناك حاجة للحديث".
أما عن العلم في مدارس الحركة والذي يلازم البناء الروحي من خلالها، فيقول عنها أحد الباحثين: "إن السمة الفريدة (في تلك المدارس) هي إذكاء روح التنافس المحمود فيما بينها، ففي كل عام يتم إعداد وتوزيع التقارير التي تقارن بين أداء طلاب مدارس الحركة العالية والمدارس الأخرى، حيث تسجل دائما الأولى نجاحات في امتحانات دخول الجامعات (...) وتشجع روح التنافس أيضا بتدريب وإرسال الطلاب إلى الأولمبياد الأكاديمية المختلفة المخصصة لطلاب المدارس العليا حول العالم، وغالبا ما يعود هؤلاء الطلاب بميداليات".


إنسانية الإيمان

في لقاءه مع بابا الفاتيكان
على هذا الأساس المتين بنيت أعمال الحركة، سعيا وراء هدف أسمى بإقامة عالمية إنسانية متسلحة بالإيمان والأخلاق والعلم، ولعلنا وبعد استعراضنا لنموذج المؤسسات التعليمية للحركة، نستطيع أن نستقرئ تلك الخريطة التي تبين العلاقة بين الأساس الروحي وأعمال الحركة المؤسسية، والتي يطلق عليها في أدبياتها لفظ "الخدمة" Hizmet وهي لفظة مستمدة من التراث الثقافي للمسلمين الأتراك، والتي تعني كل عمل تطوعي يقوم على خدمة الخلق طمعا في رضا الحق، كما تبين العلاقة بين تلك الأعمال والغاية الروحية لها.
"إن أجيال الأمل باعتبار الزمن الحاضر هم ممثلو العلم والإيمان والأخلاق والفن، وهم مهندسو الروح لمن يأتون بعدنا، وسيشكل هؤلاء تكوينات جديدة في كل شريحة اجتماعية بتفريغ حرارة الإلهام لقلوبهم المتغذية بالأخرويات إلى الصدور المحتاجة إليها..."..
هذه هي الكلمات التي يملأ بها جولن جوانح تلامذته والتي بها ينطلقون بحركة دائبة لخير الإنسانية.



*المسئول عن وحدة البحوث والتطوير في شبكة إسلام أون لاين.

Saturday, March 28, 2009

السلام بالاكراه .. و بطلان كامب ديفيد




لماذا كل هذا الخوف من أمريكا واسرائيل ؟

كان هذا هو السؤال الاكثر ترددا بين الناس فى مصر اثناء العدوان الأخير على غزة ، يتدالونه فيما بينهم وسط خليط من مشاعر الدهشة ، وعدم الفهم ، والغضب من موقف الادارة المصرية .
وانتهى العدوان ، ولكن ظل السؤال قائما ، وهو سؤال عمره اكثر من ثلاثة عقود كاملة ، منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد والتى تحل ذكراها الثلاثون هذا الشهر .

والاجابة الصحيحة والقاسية فى نفس الوقت على هذا السؤال هى :
==============================
نعم إن مصر الرسمية مكرهة على كل ما تفعله منذ حرب 1973 ، فلقد قبلت وقف اطلاق النار تحت الاكراه ، ووقعت اتفاقيات السلام تحت الاكراه ، والتزمت بها ، ولا زالت ، تحت الاكراه ، وأن حياتنا جميعا منذ ذلك الحين تجرى وتدور تحت الاكراه الامريكى والصهيونى .
والاكراه يفسد الارادة ويبطل التصرف .
وعليه فإن اتفاقيلات السلام المصرية الاسرائييلية وكل ما ترتب عليها باطلة بطلانا مطلقا طبقا للمبادىء القانونية العامة وطبقا لاحكام القانون الدولى .
وفيما يلى التفاصيل ، نستهلها بالتذكرة بما تناولناه عن كامب ديفيد عبر العديد من المقالات :

أهم مساوىء كامب ديفيد :
============
§ سحبت مصر من الصراع ضد العدوين الصهيونى والامريكى
§ مما اطلق يد اسرائيل لتعربد كما تشاء فى المنطقة .
§ اعترفت باسرائيل وتنازلت لها عن فلسطين 1948
§ اضعفت المقاومة الفلسطينية ، وجعلتها تقف منفردة وحيدة فى مواجهة الآلة العسكرية الصهيونية
§ وضعت سيناء رهينة دائمة فى يد اسرائيل ، تستطيع ان تعيد احتلالها فى اى وقت تشاء

§ اعادت صياغة مصر عسكريا وطبقيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا على مقاس أمن اسرائيل
§ وضعت مصر ومن فيها تحت قيادة ورحمة الولايات المتحدة الامريكية

§ اعطت الضوء الاخضر لكل القوى الطائفية فى المنطقة للانفصال عن الامة ، وتاسيس دويلات كردية وشيعية وسنية ومارونية وقبطية وزنجية على نموذج الدولة اليهودية " اسرائيل "

§ ضربت وحدة الصف العربى التى تجلت فى أعلى صورها فى حرب 1973

اسباب البطلان :
=======
تنص اتفاقية فيينــا لقانون المعاهدات الصادرة في سنة 1969 في المادة رقم 51 :
===================================
" ليس لتعبير الدولة عن رضاها الالتزام بمعاهدة والذي تم التوصل إليه بإكراه ممثلها عن طريق أعمال أو تهديدات موجهة ضده أي أثر قانوني. "
كما تنص فى المادة رقم 52 من نفس الاتفاقية على آن :
========================
" تعتبر المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا اذا تم ابرامها نتيجة تهديد باستعمال القوة او استخدامها بالمخالفة لمبادىء القانون الدولى الواردة في ميثاق الامم المتحدة "
خلاصة المادتين السابقتين أن الإكراه الواقع على الدولة أو على ممثلها لتوقيع أى اتفاقية يبطلها بطلانا مطلقا .
و تنطبق نصوص المادتين على حالة مصر فى الفترة من 1973 حتى 1979 ، وبالتحديد فى الوقائع التالية :




وقائع الاكراه :

اولا ــ إحتلال سيناء :



==========
الاحتلال الصهيونى للاراضى المصرية عام 1967 وما بعدها هو استعمال للقوة بالمخالفة لمبادىء القانون الدولى الواردة فى ميثاق الالامم المتحدة وبالتحديد فى الفقرة الرابعة من مادتها الثانية التى تنص على :
يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة"..




ثانيا ـ سيناء رهينة :
=========
حالت الولايات المتحدة دون ان يصدر مجلس الامن قرارا ينص على الانسحاب الفورى من الاراضى المحتلة عام 1967 بدون أى قيد أو شرط ، فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ الامم المتحدة .
وبدلا من ذلك اصدروا القرار رقم 242 الذى تعامل مع سيناء وغيرها من الاراضى المحتلة كرهينة لدى اسرائيل ، تعيدها الى مصر بشرط الاعتراف بها والسلام معها.

ثالثا : دعم امريكا للعدو الصهيونى فى حرب 1973 :
========================
قال الرئيس انور السادات في 16 اكتوبر 1973 " أن الولايات المتحدة ... اقامت جسرا بحريا وجويا لتتدفق منه على اسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة ، وصواريخ جديدة والكترونات جديدة "…
و قال فى 16 سبتمبر 1975 " انه في ليلة 19 من اكتوبر 1973 كان بقى لى عشرة ايام اواجه امريكا بذاتها


رابعا ــ تهديد كيسنجر للسادات بسبب الثغرة :
====================
اعترف السادات فى حديثه لمجلة الحوادث اللبنانية عام 1975 : انه عندما أخبر كيسنجر يوم 11 ديسمبر 1973بأنه قادر على القضاء على الثغرة ، رد الأخير :
" ولكن لابد آن تعرف ما هو موقف امريكا ..اذا اقدمت على هذه العملية فستضرب ."
وهو ما دفع السادات ، كما يدعى ، الى التفاوض وقبوله إعادة 90 % من قواتنا التى عبرت الى مواقعها قبل العبور ، وهو ما كان له بالغ الأثر على النتيجة النهائية لوضع القوات المصرية طبقا للملحق الامنى فى اتفاقية السلام عام 1979

خامسا ــ التهديدات العسكرية الاسرائيلية قبل زيارة القدس 1977 :




ففى خطابه امام مجلس الشعب المصرى في 26 نوفمبر 1977 بعد عودته من القدس جاء الاتى :
" في جلسة مع وزير الدفاع الاسرائيلى عزرا وايزمان توجه الى بسؤال 0 لماذا كنت تريد آن تهجم علينا في العشرة الايام الماضية ؟
قلت له ابدا 00بداتم انتم مناورة وعلى طريقتنا بعد حرب اكتوبر وباسلوبنا اسلوب الدول المتحضرة التى تعرف مسئولياتها حينما بداتم مناوراتكم بدا الجمسى مناورته ايضا بنفس الحجم00 قال آن تقارير المخابرات كلها امامى اهه (وعرضها ) تقول بانكم كنتم ستضربونا ضربة مفاجئة وكان في شدة العصبية0000هذا هو الحاجز النفسى الذي اتحدث عنه 000منذ عشرة ايام وهم في شدة العصبية "

سادسا ــ تهديد كارتر للسادات :

فى كتابه " الاحتفاظ بالايمان " المنشور عام 1982 ، ذكر الرئيس الامريكى جيمى كارتر ، انه عندما علم ان السادات قرر الانسحاب من المفاوضات فى كامب ديفيد والعودة الى القاهرة فإنه تصرف ما يلى :
" لسبب ما ، استبدلت بملابسى ملابس اكثر رسمية ..."
" شرحت له النتائج بالغة الخطورة التى تترتب على انهائه المفاوضات من جانب واحد ، وان عمله سيضر بالعلاقة بين مصر والولايات المتحدة الامريكية ، ....وان مسئولية الفشل سيتحملهاهو "
"وكنت جادا الى أقصى حد وكان هو يعرف ذلك . الواقع اننى لم اكن جادا فى اى يوم من حياتى اكثر من ذلك ..."
انتهى كلام كارتر .
بعد هذا اللقاء صرح السادات لأعوانه أنه :" سيوقع على أى شىء سيقترحه الرئيس الامريكى كارتر دون يقرأه

سادسا ــ التهديد الأمريكى الصريح لمصر :

فى 25 مارس 1979 قبل يوم واحد من توقيع الاتفاقية ، تسلمت مصر رسالة من الولايات المتحدة الامريكية تتضمن مذكرة تحمل عنوان " مذكرة التفاهم الامريكية الاسرائيلية " جاء فيها :

" 1- حق الولايات المتحدة في اتخاذ ما تعتبره ملائما من اجراءات في حالة حدوث انتهاك لمعاهدة السلام او تهديد بالانتهاك بما في ذلك الاجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية .
2- تقدم الولايات المتحدة ما تراه لازما من مساندة لما تقوم به اسرائيل من اعمال لمواجهة مثل هذه الانتهاكات خاصة اذا ما رئى آن الانتهاك يهدد امن اسرائيل بما في ذلك على سبيل المثال ، تعرض اسرائيل لحصار يمنعها من استخدام الممرات المائية الدولية وانتهاك بنود معاهدة السلام بشان الحد من القوات و شن هجوم مسلح على اسرائيل . وفى هذه الحالة فان الولايات المتحدة الامريكية على استعداد للنظر بعين الاعتبار وبصورة عاجلة في اتخاذ اجرءات مثل تعزيز وجود الولايات المتحدة في المنطقة وتزويد اسرائيل بالشحنات العاجلة وممارسة حقوقها البحرية لوضع حد للانتهاك .

سابعا ــ التهديدات الامريكية الصهيونية بشأن الأنفاق والحدود مع غزة :

وهو ما نراه ونعيشه يوميا من تهديدات من اعضاء فى الكونجرس والادارة الامريكييين بقطع المساعدات اعن مصر ، بالاضافة الى حملات التفتيش الدورية على الحدود المصرية ، من قبل لجان من المهندسين الامريكيين وموظفين بالسفارة الامريكية ورجال الكونجرس .

ثامنا ــ التصريحات الرسمية المصرية :

منذ اليوم التالى لتوقف اطلاق النار فى 22 أكتوبر 1973 وحتى يومنا هذا فى مارس 2009 ، والادارة المصرية ورجالها واعلامها يؤكدون بمناسبة وبدون مناسبة على ان الغاء كامب ديفيد يعنى الحرب . وكان آخرها تصريحاتهم تلك التى صدرت اثناء العدوان الأخير .

الخلاصة :
======
ان العدو الصهيونى بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ، قد قام بإحتلال سيناء فى عام 1967 مع أراضى أخرى ، ومنعت أمريكا مجلس الأمن من اصدار أى قرار ينص على الانسحاب دون قيد أو شرط ، وربطت الانسحاب بالاعتراف باسرائيل وتوقيع اتفاقية سلام معها . فلما رفضنا ذلك وقررنا تحرير الارض بالقوة ، وقفت امريكا دون ذلك وسرقت منا النصرالعسكرى بدعمها لقوات العدو ، وتهديد رئيس الجمهورية حتى وقع المعاهدة ، ولم تكتفى بذلك ، فاستمرت فى تهديداتها لنا على امتداد أكثر من ثلاثين عاما . الأمر الذى يؤدى الى بطلان كل هذه الاتفاقيات بطلانا مطلقا بموجب احكام القانون الدولى ، ويجردها من أى مشروعية .

* * *
*كاتب ومفكر مصري

Seif_eldawla@hotmail.com


اقرأ ايضا :
======


تقييم معاهدة السلام في سنتها الثلاثين..إبراهيم يسري..القدس العربي..27/3/2009





Tuesday, February 24, 2009

بيع الفلسطينيين أرضهم لليهود حقيقة أم خيال؟!


د. خالد الخالدي - رئيس قسم التاريخ والآثار - الجامعة الإسلامية - غزة


يُعد هذا الموضوع من الموضوعات المهمة التي يجب على الفلسطينيين وخصوصاً المتعلمين والمثقفين منهم أن يفهموه جيداً، وأن يحفظوا حقائقه وأرقامه، وذلك للأسباب الآتية:
1- أَنَّ كثيراً من أبناء الشعوب العربية قد صدَّقوا الإشاعات التي نشرها اليهود، وروج لها أعوانهم، وأَهمها: "أن الشعب الفلسطيني باع أَرضه لليهود، فلماذا يطالبنا بتحرير أرض قبض ثمنها"؟!. وقد تعرضت أنا شخصياً لهذا السؤال مرات عدة، وفي بلدان عربية مختلفة، ووجدته أكثر انتشاراً في البلدان التي يرجى منها أن تفعل شيئاً من أجل تحرير فلسطين.
2- أنَّ مصدر هذه الإشاعة كتاب كتبوا في أَكثر الصحف العربية انتشاراً، ونشروا أكاذيب كثيرة، شوهوا فيها صورة الفلسطيني بهدف أن يُفقِدوا شعوبهم الحماس لفلسطين، وبلغ بهم الكذب حداً امتهنوا فيه جيوشهم، فقالوا :" إن الفلسطينيين يبيعون الضابط العربي لليهود بخمسة جنيهات، والجندي بجنيه واحد".
3- أنَّ العديد من الصحف العربية الرسمية ما زالت إلى اليوم منبراً لكتاب وضعوا أنفسهم في صف أعداء الأمة، وهم لا يملون من مهاجمة الفلسطينيين وتشويههم. وقد قرأت مقالاً لكاتب معروف في صحيفة عربية مشهورة يُهاجم فيه الفلسطينيين الذين تعاطفوا مع العراق أثناء تعرضه للهجوم الأمريكي، يقول فيه بالحرف الواحد: "هذا الشعب الوضيع الذي باع أرضه لليهود".
4- أنَّ هذه التهمة تتردد حتى في أوساط المثقفين، وكنَّا نسمع ذلك أثناء مناقشات مع مثقفين عرب يعملون في السعودية ودول الخليج، ومن ذلك قول أحدهم: " نعمل لكم إيه كل ما نحررها تبيعوها … كل ما نحررها تبيعوها".
5- أنَّ مروجي هذه الإشاعة ينشطون عندما تشتد مقاومة الشعب الفلسطيني لليهود، بهدف قتل أي تعاطف شعبي عربي مع الفلسطينيين.
6- أنَّ الشعب الفلسطيني الذي يحمل لواء الجهاد والمقاومة منذ أكثر من ثمانين عاماً، وقدم مئات الألوف من الشهداء، وما زال يقدم، ويقف وحده في الميدان، صامداً صابراً مجاهداً بالرغم من اجتماع الأعداء عليه، وتخلي ذوي القربى عنه، بل تآمرهم عليه، هذا الشعب يستحق أن ينصف ويدافع عنه، وقد شهد له كل منصف عرفه أو سمع عنه ونذكر فقط من هذه الشهادات قول هتلر في رسالة إلى ألمان السوديت: "اتخذوا يا ألمان السوديت من عرب فلسطين قدوة لكم، إنهم يكافحون إنجلترا أكبر إمبراطورية في العالم، واليهودية العالمية معاً، ببسالة خارقة، وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما أنتم فإنَّ ألمانيا كلها من ورائكم"
.7- أنه لا يليق بمتعلم أو مثقف فلسطيني، أن يتهم شعبه، ويقف عاجزاً غير قادر على تقديم المعلومات والحقائق التي تدحض هذا الاتهام.وسوف أتناول هذا الموضوع بحياد ونزاهة وعلمية، مدافعاً عن الفلسطينيين بما يستحقون، ومحملاً إياهم ما وقعوا فيه من أخطاء. وقد استقيت معلوماتي من كتب ووثائق موثوقة.بلغت مساحة الأراضي التي وقعت تحت أيدي اليهود حتى عام 1948م من غير قتال أو حرب، حوالي (2) مليون دونم. أي ما يعادل 8.8% من مساحة فلسطين التي تبلغ 27 مليون دونم.حصل اليهود على تلك الأرض (2 مليون دونم) بأربع طرق هي:
الطريق الأول:650.000 دونماً (ستمائة وخمسين ألف دونم) حصلوا على جزء منها كأي أقلية تعيش في فلسطين منذ مئات السنين، وتملك أرضاً تعيش عليها، وحصلوا على الجزء الآخر بمساعدة الولاة الأتراك الماسونيين، الذين عيَّنتهم على فلسطين حكومة الاتحاد والترقي، التي كان أكثر من 90% من أعضائها من اليهود. وقد تآمرت جمعية الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد وأسقطته، لأنه رفض كلَّ عروض اليهود عليه مقابل تمكينهم من أرض فلسطين. ومن هذه العروض إعطاؤه مبلغ خمسة ملايين ليرة إنجليزية ذهباً لجيبه الخاص، وتسديد جميع ديون الدولة العثمانية البالغة 33 مليون ليرة ذهباً، وبناء أسطول لحماية الإمبراطورية بتكاليف قدرها مائة وعشرون مليون فرنك ذهبي، وتقديم قروض بخمسة وثلاثين مليون ليرة ذهبية دون فوائد لإنعاش مالية الدولة العثمانية، وبناء جامعة عثمانية في القدس.
الطريق الثاني:665.000 دونماً (ستمائة وخمسة وستين ألف دونم) حصل عليها اليهود، بمساعدة حكومةِ الانتداب البريطاني المباشرة، وقد قُدمت إلى اليهود على النحو الآتي:
-1- أعطي المندوب السامي البريطاني منحة للوكالة اليهودية ثلاثمائة ألف دونم
.2- باع المندوب السامي البريطاني الوكالة اليهودية وبأسعار رمزية مائتي ألف دونم.
3- أهدت حكومة الانتداب للوكالة اليهودية أرض السلطان عبد الحميد في منطقتي الحولة وبيسان - امتياز الحولة وبيسان - ومساحتها 165.000 دونماً (مائة وخمسة وستون ألف دونم).
الطريق الثالث:606.000 دونماً (ستمائة وستة آلاف دونم)، اشتراها اليهود من إقطاعيين لبنانيين وسوريين، وكان هؤلاء الإقطاعيون يملكون هذه الأراضي الفلسطينية عندما كانت سوريا ولبنان والأردن وفلسطين بلداً واحداً تحت الحكم العثماني يُسمى بلاد الشام أو سوريا الكبرى، وعندما هزمت تركيا واحتل الحلفاء بلاد الشام، قسمت هذه البلاد إلى أربعة دول أو مستعمرات، حيث خضعت سوريا ولبنان للاحتلال الفرنسي، وشرق الأردن للاحتلال البريطاني، وفلسطين للانتداب البريطاني توطئة لجعلها وطناً قومياً لليهود. وهكذا أصبح كثير من الملاك السوريين واللبنانيين يعيشون في بلد وأملاكهم في بلد آخر، فانتهز كثير منهم الفرصة وباعوا أرضهم في فلسطين لليهود الذين دفعوا لهم فيها أسعاراً خيالية، وبنوا بثمنها العمارات الشاهقة في بيروت ودمشق وغيرها. وكانت كمية الأراضي التي بيعت، والعائلات التي باعت كما يلي
:1- باعت عائلة سرسق البيروتية - ميشيل سرسق وإخوانه مساحة 400.000 دونماً (أربعمائة ألف دونم) ، في سهل مرج ابن عامر، وهي من أخصب الأراضي الفلسطينية، وكانت تسكنها 2546 أسرة فلسطينية، طُردت من قراها لتحل محلها أسر يهودية أحضرت من أوروبا وغيرها
.2- باعت عائلة سلام البيروتية 165.000 دونماً (مائة وخمسة وستين ألف دونم) لليهود وكانت الحكومة العثمانية قد أعطتهم امتياز استصلاح هذه الأراضي حول بحيرة الحولة لاستصلاحها ثم تمليكها للفلاحين الفلسطينيين بأثمان رمزية، إلا أنهم باعوها لليهود.
3- باعت عائلتا بيهم وسرسق (محمد بيهم وميشيل سرسق) امتياز آخر في أراضي منطقة الحولة، وكان قد أُعطي لهم لاستصلاحه وتمليكه للفلاحين الفلسطينيين، ولكنهم باعوه لليهود.
4- باع أنطون تيان وأخوه ميشيل تيان لليهود أرضاً لهم في وادي الحوارث مساحتها خمسة آلاف وثلاثمائة وخمسين دونماً، واستولى اليهود على جميع أراضي وادي الحوارث البالغة مساحتها 32.000 دونماً (اثنان وثلاثون ألف دونم) ، وطردوا أهله منه بمساعدة الإنجليز، بدعوى أنهم لم يستطيعوا تقديم وثائق تُثبت ملكيتهم للأراضي التي كانوا يزرعونها منذ مئات السنين.
5- باع آل قباني البيروتيون لليهود مساحة 4000 دونماً (أربعة آلاف دونم) بوادي القباني، واستولى اليهود على أراضي الوادي كله.
6- باع آل صباغ وآل تويني البيروتيون لليهود قرى (الهريج والدار البيضاء والانشراح -نهاريا-).
7- باعت عائلات القوتلي والجزائري وآل مرديني السورية لليهود قسماً كبيراً من أراضي صفد
.8- باع آل يوسف السوريون لليهود قطعة أرض كبيرة لشركة(The Palestinian Land Development Company).9- باع كل من خير الدين الأحدب، وصفي قدورة، وجوزيف خديج، وميشال سرجي، ومراد دانا وإلياس الحاج اللبنانيون لليهود مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية المجاورة للبنان
.الطريق الرابع:بالرغم من جميع الظروف التي وضع فيها الشعب الفلسطيني والقوانين المجحفة التي سنها المندوب السامي الذي كان يهودياً في الغالب، إلا أنَّ مجموع الأراضي التي بيعت من قبل فلسطينيين خلال ثلاثين عاماً بلغت ثلاثمائة ألف دونم، وقد اعتبر كل من باع أرضه لليهود خائناً، وتمت تصفية الكثيرين منهم على أيدي الفلسطينيين.ومن العوامل التي أدت إلى ضعف بعض الفلسطينيين وسقوطهم في هذه الخطيئة.
1- لم يكن الفلسطينيون في السنوات الأولى للاحتلال البريطاني على معرفة بنوايا اليهود، وكانوا يتعاملون معهم كأقلية انطلاقاً من حرص الإسلام على معاملة الأقليات غير المسلمة معاملة طيبة
2- القوانين الإنجليزية التي سنتها حكومةُ الانتداب، والتي وُضعت بهدف تهيئة كل الظروف الممكنة لتصل الأراضي إلى أيدي اليهود. ومن هذه القوانين، قانون صك الانتداب الذي تضمنت المادة الثانية منه النص الآتي:" تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن جعل فلسطين في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تكفل إنشاء الوطن القومي لليهود".وجاء في إحدى مواد الدستور الذي تحكم بمقتضاه فلسطين النص الآتي: " يشترط أن لا يطبق التشريع العام ومبادئ العدل والإنصاف في فلسطين إلاَّ بقدر ما تسمح به الظروف، وأن تراعى عند تطبيقها التعديلات التي تستدعيها الأحوال العامة". إضافة إلى مادة أخرى تقول: " بما أنَّ الشرع الإسلامي خوَّل للسلطان صلاحية تحويل الأراضي الميري (الحكومية) إلى أراضي الملك فإنه من المناسب تخويل المندوب السامي هذه الصلاحية".
3- الإغراءات الشديدة التي قدمها اليهود للذين يبيعون الأرض، فقد بلغ ما يدفعه اليهودي ثمناً للدونم الواحد عشرة أضعاف ما يدفعه العربي ثمناً له. وقد تسبب ذلك في سقوط بعض أصحاب النفوس المريضة، ومثل هذه النوعية لا تخلو منها أمة من الأمم.
4- الفساد الذي نشره اليهود، وحمته القوانين البريطانية التي تبيح الخمر و الزنا.ويُسجَّل للشعب الفلسطيني أنه أَجمع على تجريم القلائل الذين ارتكبوا هذه الخطيئة، ونبذهم واحتقرهم وخوَّنهم ونفذ حكم الإعدام في كثير منهم.وقد نشرت الصحف أخباراً عن تصفيات تمت في فلسطين لأشخاص باعوا أرضهم لليهود أو سمسروا لبيع أراض لليهود نذكر منها فقط ما نشرته جريده الأهرام في العدد 28 و29 تموز (يوليو) 1937م "اغتيل بالرصاص (فلان) بينما كان في طريقه إلى منزله ليلاً، وهو مشهور بالسمسرة على الأراضي لليهود، وترأس بعض المحافل الماسونية العاملة لمصلحة الصهيونية، وقيل إنَّ سبب اغتياله هو تسببه في نقل ملكية مساحات واسعة من أخصب أراضي فلسطين لليهود، وقد أغلق المسلمون جامع حسن بيك في المنشية لمنع الصلاة عليه فيه، ولم يحضر لتشييعه سوى بعض أقاربه، وليس كلهم، وبعض الماسونيين، وقد توقع أهله أن يمنع الناس دفنه في مقابر المسلمين، فنقلوا جثته إلى قرية قلقيلية بلدته الأصلية، وحصلت ممانعة لدفنه في مقابر المسلمين. وقيل إنه دُفن في مستعمرة يهودية اسمها "بنيامينا" لأنه متزوج من يهودية، وأن قبره قد نبش في الليل وأُلقيت جثته على بعد 20 متراً.يتبين مما سبق أن الـ 8.8 في المائة من مساحة فلسطين أو الـ 2 مليون دونم التي وقعت في أيدي اليهود حتى سنة 1948م، لم يحصل عليها اليهود عن طريق شرائها من فلسطينيين كما يتصور حتى الكثير من مثقفينا، بل وصل معظمها إلى اليهود عن طريق الولاة الأتراك الماسونيين والمنح والهدايا من الحكومة البريطانية، والشراء من عائلات سورية ولبنانية، وأنَّ 300.000 دونماً فقط اشتريت من فلسطينيين خلال ثلاثين عاماً من السياسات الاقتصادية الظالمة والضغوط والمحاولات والإغراءات، أي أنَّ 1/8 (ثُمن) الأراضي التي حازها اليهود حتى سنة 1948م، كان مصدرها فلسطينيون، وقد رأينا كيف باعت عائلة لبنانية واحدة 400.000 دونماً في لحظة واحدة، وهو أكبر مما باعه فلسطينيون خلال ثلاثين عاماً. وأنَّ هؤلاء قلة شاذة عوقبوا بالنبذ والقتل.ولا يخلو مجتمع حتى في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، من ضعاف ومنافقين، وليس من الإنصاف، أن يتحمل الشعب الفلسطيني كله جريمةً ارتكبها بعض شواذه. لا سيما أن هذا الشعب حاسب هؤلاء الشواذ وعاقبهم.وإنَّ ما يقدمه الشعب الفلسطيني اليوم من تضحيات و بطولات بعد مضي أكثر من نصف قرن على احتلال أرضه، وإصراره على المقاومة والجهاد والاستشهاد بالرغم من ضخامة المؤامرة ضده لخير دليل على تمسكه وعدم تفريطه بأرضه المقدسة المباركة

Monday, November 24, 2008

حديث مآلات الفتنة


لمن ننحاز؟ هل ننحاز إلى السنة أم إلى الشيعة؟ هل ننحاز إلى الشيخ يوسف القرضاوي ومحبيه ونحن منهم، أم إلى ما طرحه الأستاذ فهمي هويدي والدكتور محمد العوا والدكتور طارق البشري ومحبيهم ونحن منهم؟


هذه هي الأسئلة التي دارت في رءوس كثير من الشباب وهو يشهد أحداثاً يخشى أن تقود إلى فتنة كبرى، وكرة تتدحرج وتكبر دون أن يعرف أحد إلى أي مدى ستكبر وكم ستدهس في طريقها، خاصة أن القضية الداخلية بدت أشبه بأن على المرء أن ينحاز إلى أحد المعسكرين ليثبت ولاءه.وسواء كانت الأزمة الأخيرة مبالغاً فيها أو كانت فعلاً تستحق ما رأيناه ونراه؛ ففي تقديري أن هذه الأزمة تمثل لنا فرصة كي نبذل الجهد في فهم الواقع كما هو لا كما نتمناه، ثم تقنين ووضع سبل حضارية للتعامل مع مثل هذه الأزمات، تلك الأزمات المتعلقة بتهديد بنية المجتمعات. فقد يظن البعض أن ما يحدث الآن يدمر فكرة النهضة ويجعل الأمة تيأس من نفسها، بينما أرى في هذا الأمر مقدمات يجب أن تُستثمر للإجابة على سؤال مهم مطروح في قضية النهضة، وهو سؤال العرقيات والمذاهب والطوائف والأديان، وكيف يمكن للمجتمع أن يستوعب كل هذا التنوع؟ ولا تتم نهضة دون وضع أجوبة حقيقية لمثل تلك الأسئلة.. فهل نغتنم الفرصة؟ وهل نؤمن أنه كفانا هروباً من التفكير الجاد في مثل هذه الإشكاليات بحجة عدم إشعالها؟ فمجتمعاتنا الآن في مفترق طرق،بعضها يقود إلى الوحدة والاحتشاد في مشروع النهضة، وأخرى تقود إلى التفتت والتخلف، والبعض يعتقد أن الأزمة هي أزمة سنة وشيعة، لكننا لو أعدنا تصنيف الأزمات الكبرى القابلة للاشتعال في شكل حروب لوجدنا أن التأزمات متنوعة، فعلى الصفحة العرقية هناك تأزم عرب وكرد وفرس وتركمان وبربر. وعلى الصفحة الدينية هناك مسلمون ونصارى ويهود ويزيدية، وعلى الصفحة الإسلامية هناك طائفية تقسيمية سنة وشيعة وإباضة، وعلى صفحة السنة هناك كذلك أهل العقيدة الصحيحة والمشكوك في عقائدهم والمتبرأ منهم، وعلى صفحة أهل العقيدة الصحيحة هناك مذاهب فقهية تطالب بحقها في الاعتراف وتشكو من الإقصاء، وعلى صفحة الحركات الإسلامية هناك مسائل يجب أن تحسم بين المهادنين والجهاديين وما بينهما، مثلما حدث في العراق بين السنة أنفسهم بين أصحاب الخيار السياسي والعسكري، وهناك انقسامات سياسية مثلما هو حادث في فلسطين بين فتح وحماس، ثم أخيراً هناك صفحة الاحتلالات من العراق وفلسطين وأفغانستان... والقائمة تطول، ومقدمات كل مشكلة من هذه المشاكل موجودة وقابلة للتفجير إذا وجد الصاعق المناسب! فماذا ننتظر؟ هل نستعد لمواجهة كل هذه التحديات بحكمة وبصيرة أم نفتح الجراح ولا نداويها؟
القضية مثار الجدل اليوم:والمشكلة الحاضرة اليوم هي مشكلة الشيعة والسنة كما يعطى لها العنوان الآن، ولا أقول أنها بالتحديد هي المشكلة، ولكن هكذا يتم تعريفها، وهؤلاء هم أطرافها، من العراق إلى إيران إلى الكويت إلى دول الخليج إلى لبنان إلى سوريا؛ بل إلى الجاليات في أوروبا، شريط مقلق من التوترات التي لا ينقصها من يواصل صب الزيت على النار! مآلات المشهد كما نقرأها:لو استمر رمي الحطب في النار واستمر التأزم بدخول أطراف لم تكن تعيشه في مأساته فالحرب الأهلية قادمة لا محالة، ومآلاتها معروفه ومقدماتها معروفة، فمشهد استعلاء بعض الأطراف على أخرى يتولد عنه استعداء للآخر وسباب وشتائم، ثم تبدأ الاشتباكات. حتى إذا أكلت الحرب الأخضر واليابس تدخل المجتمع الدولي ليضع الوصاية على هذه المجتمعات التي لم تحسن معالجة نسيجها البيني، وما أمر الهوتو والتوتسي في أفريقيا ببعيد. وعادة ما تعتقد الأطراف المتخاصمة أنها بالعنف ستحل الإشكالية، لكن الحرب بعد أن تنهك الطرفين ويتأكدان أن العنف عاجز عن حل الأزمة؛ يلجئان إلى إيجاد سبل لتقنين التعايش, أي أن الشعوب تحارب في الاقتتال الداخلي لا لكي تنجز بالحرب حلاً، وإنما لتتأكد من عجز العنف عن إبادة الطرف الآخر.وهذا المسار ليس جديداً في العالم، ففي الحروب الدينية في أوروبا كالحروب الصليبية (ضد المسلمين)، والحروب البينية الداخلية (بين مذاهب الدين المسيحي)، استنزفت الحروب البينية أوروبا ما يزيد عن المائة عام وانتهت بمعاهدة فيستفاليا عام 1648 واضعة أساساً جديداً للشرعية الدولية، فاعترفت بالسيادة المطلقة للدولة القومية وعقدت اتفاقيات تعزز التسامح الديني وتناهض الثأر في الممارسات السياسية.وفي المقابل هناك مسار آخر أيضاً مجرب يقوم على فلسفة جديدة وهي التمييز بين التدافع المقبول وغير المقبول، فإن قلنا أن من حق أي صاحب فكرة أن يعبر عنها وينشرها ويبين ميزاتها دون أن يعتدي على الآخرين، عندها يمكن القول أن التدافع مقبول، فهو تدافع أفكار ورؤى.
ما الذي يزعج في الظاهرة؟إن الأمر المزعج ليس دخول أفكار جديدة في بعض المجتمعات التي خلت منها من قبل، فالظاهرة هي سياسية بامتياز، وعند تمييز السياسي عن الديني في هذا المشهد نستطيع أن نحدد ما الذي يزعجنا.. هل هي سياسة الحكومة الإيرانية؟ أم حجج المذهب الشيعي؟فحجج المذهب الشيعي وما يطرحه من شبهات على السنة مدونة منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وهي لم تتغير منذ ذلك الحين، كذلك الردود الفكرية على تلك الشبهات مدونة منذ القدم.ولقد اعترف الأزهر بصحة التعبد على المذهب الشيعي الجعفري، ولكن ما لم يقله أن الموضوع ليس متعلقاً بالنظرة للفقه بل بالنظرة للسياسة والإمامة، وهنا مكمن المعضلة خاصة في العصر الحديث حيث لم يقنع الشيعة بانتظار المهدي الغائب بل آمن الحركيون منهم بضرورة إعداد المشهد لظهوره وبالتالي برزت فكرة دولة المهدي وجيش المهدي، وهي الفكرة التي أتاحت قدراً من الحركية الجديدة في المذهب وأدت لتوترات على المحور السني الشيعي فكيف يمكن إيجاد معادلة جديدة في ظل المقولات الجديدة؟إن التمييز بين الديني والسياسي يمنحنا خيارات أكثر وفرصاً أفضل لفهم الواقع، فمن الممكن أن نفهم إنزعاج السنة من تحرك الحكومة الإيرانية لتوظيف الحالة الشيعية واستدعائها إلى ساحة الفعل السياسي باعتبارها إحدى أدوات الدولة الإيرانية. وهذه القضية يجب فصلها عن مسألة المذهب الشيعي حتى لا يتحول الحديث إلى الخوف من انتشار مذهب معين، فمعركة مقاومة مد المذاهب معركة فكرية بالدرجة الأولى، ومعركة مقاومة مد النفوذ السياسي للدول واستدعاء الدين لنصرة برامجها هي معركة سياسية بالدرجة الأولى. عندها يمكن الاعتراض على خطورة ممارسات الحكومة الإيرانية على النسيج الاجتماعي وتوجيه النقد لها، وليس الحديث عن الخوف من التشيع أو الحديث الطائفي. وأزمة المذهب الشيعي في المناطق السنية أنه مذهب له رؤية سياسية خاصة، وولاء للدولة الحاضنة (إيران)، فهو ليس خلاف كخلاف الشافعية والمالكية، ولكن الشيعة طائفة لها ولاء وطموح سياسي، يجعل أية دولة تخشى من أن يكون انتشار "الفكر الشيعي"- بلغة السياسة- بمثابة تعدي على سيادتها ورهنها للخارج.أما بالنسبة للظاهرة الدينية في حد ذاتها إذا ميزناها عن الظاهرة السياسية فنحتاج إلى مراكز بحثية لرصد الظاهرة وتقويمها، ويشمل ذلك رصد ما ينتجه الطرفان من منتج ثقافي وتأثيره على النسيج الوطني، هل يؤدي إلى وحدته أم تمزيقه، وتحديد مواطن السلبيات في منتج كل طرف، وتحديد مصادر الدعاية السلبية لدى الطرفين وتحديد المسئولين عنها ووضع استراتيجية للتعامل معهم. أما الآن فهناك ملاءة واسعة تطرح على الجميع، باعتبار أن الكل يقول قولاً واحداً، وأن أحد الطرفين كله يعج بالشياطين، والطرف الآخر تسبح فيه الملائكة، والحقيقة أن كلا الطرفين يعج بالصنفين. وليست هناك شيطانية مطلقة في هذا الطرف أو ذاك.
محاولات علاج المشكلة: لقد مرت الأمة عبر مسارها التاريخي بعدة محاولات للتعامل مع تلك الإشكالية، فنذكر على سبيل المثال:المواجهة الفكرية: من خلال الحجة والحجة المضادة بين السنة والشيعة، وهذا موضوع مطروق تاريخياً، وليست كتابات ابن تيمية في الرد على الشيعة عنا ببعيد، وهو مدخل لم يؤتي ثماره لا بزعزعة هؤلاء أو تحريك هؤلاء من معسكراتهم.
المدخل السياسي: كلقاء ساسة الدول في المحافل والمؤتمرات والحديث عن المصالح المشتركة، وهو مسار أيضاً لم يؤت ثماره.
مدخل التقريب: مثل مؤتمرات التقريب ولقاءات المعتدلين والدعوة إلى تكوين تجمعات تجمع علماء من الطرفين، وقد أخذ أيضاً هذا المدخل مداه خلال العقود الفائتة دون أن نجني مكسباً صلباً بعيداً عن العلاقات الدبلوماسية الهشة.
ترى ما الذي جعل مثل تلك المبادرات تعجز عن إبداع حل لهذا التحدي؟ وما نوع المبادرات المطلوبة مستقبلاً حتى يمكن أن يكون مستقبلنا أفضل؟ وماذا تعنينا تجارب الأمم الأوروبية والأمم الأخرى لحسم النزاع بغير طريق العنف؟ ربما تكون هذه الأسئلة هي محور اهتمام المفكرين والاستراتيجيين في المرحلة الحالية والمقبلة. الخطاب الاستراتيجيأغلب المتحمسين اليوم الداعين لخوض الصراع السني الشيعي ربما لم يتبصروا إلى أن هذه ليست الأزمة الوحيدة؛ بل قد تكون مقدمة لإشعال بقية الأزمات. لذلك يحتاج الأمر إلى روية وتبصر، بعيداً عن الحماس المفرط الذي يعمي العقل، كذلك نوجه نفس الكلمة إلى المغالين في التهوين من شأن ما هو جاري، متبنين خطاب الدبلوماسية الذي لا يقدم حلاً عملياً أيضاً وقد يحمل نفس الخطر الكارثي، فهم بدعوى عدم تفخيخ المجتمع يتجاهلون من يزرعون فيه القنابل.ويمكن القول أن هذه الأزمة وما شاكلها يسهم في إشعالها نوعي الخطاب "الحماسي المفرط" الذي يزج بالناس في حرب مجهولة المصير والبوصلة، وال"الدبلوماسي المميت" الذي يترك أصحاب المعاناة المباشرة بدون توجيه عملي مما يجعلهم يضربون الصفح عن هذا الخطاب المثالي، إننا بحاجة إلى خطاب ثالث وهو الخطاب الاستراتيجي.
نقاط على طريق الاستراتيجيةوإذا كنا نرى أن حل مثل هذه الإشكاليات يتطلب خطاباً استراتيجياً فإننا نذكر هنا بعض النقاط التي يمكن أن تساهم في صياغة هذا الخطاب:· الإنسان حر في اعتناق ما يشاء من أفكار على مستوى الاعتقاد الديني، وليس لأبناء الوطن الواحد أن يواجهوا الفكر إلا بالفكر، لكنه ليس حراً في أن يقدم ولاءه لوطن آخر أو يطعن وحدة الوطن بممارساته. وأي فكر يسعى لتمزيق المجتمع يجب التصدي له بطريقة تكفل وحدة المجتمع، سواء كان ذلك بدعوى سنية أو شيعية أو عرقية..الخ
· تجنب التعميمات القاتلة (كلهم يقولون..كلهم يفعلون) فهي مقولات مضللة، وتسلب المجموعات المعتدلة في الطرفين فرصة القيام بدور عاقل، إذ أنها تضعهم في خانة المعسكر الذي تُصَّوب النار عليه، وبالتالي يلجئون إلى صد العدوان.
· القضية سياسية بامتياز يُستخدم الدين أداة فيها من قبل السياسيين. لذلك عند مواجهتها يجب مواجهتها سياسياً، والساسة يستخدمون رجال الدين –بوعي منهم أو بدون وعي- لتنفيذ مصالح السياسة، فإن رأوا السكوت على الطرف الآخر منعوا كل ما يسيء إليه، وإن رأوا أن المعركة السياسة قد آنت أرخوا لرجال الدين العنان كي يتحدثوا بما شاءوا.
· يرى التيار المعارض للتصعيد أن ضرب الشيعة اليوم يخدم الأجندة الأمريكية والإسرائيلية، وأن الأمة يجب أن تتكتل في مواجهة العدو الواحد. بينما التيار المؤيد للتصعيد يطعن في كل موقف للشيعة يمكن أن يصب في مصلحة الأمة لصد العدوان، فيهونون من الانتصارات، وكلا التيارين يلتبس عليهما أننا قد نؤيد مواقف الحكومة الإيرانية أو حزب الله في مواقف، ونعارضها ونقاومها في مواقف أخرى. أي أن أهل السنة يسعهم أن يقاوموا كل ممارسة شيعية تفتت مجتمعاتهم، ويدعموا كل ممارسة شيعية تحمي لحمة المجتمع. ونفس الأمر في الدول التي بها أغلبية شيعية، من حقهم أن يقاوموا أية ممارسة سنية تهدف إلى تفتيت مجتمعاتهم، ويدعموا كل ممارسة سنية تقوي مجتمعاتهم.فالقضية هنا ليست قضية دينية بقدر ما هي سياسية تضع في الاعتبار الأول وحدة المجتمعات واستقرارها، فإن خرج فريق من السنة يريد أن يفت في عضد مجتمع سني ويمزقه، فعلى المجتمع أن يقاوم هذا الفريق. أي إننا نتحدث هنا عن دعم أو مقاومة ممارسات بغض النظر عن ملة ومذهب صاحبها.
· إذا كان تهديد النسيج الاجتماعي يتطلب مقاومة فيجب تحديد الأدوات المناسبة لتلك المقاومة، بحيث لا تزيد من جراحات المجتمع، أو تدخله في دوامة من الصراعات التي لا تنتهي. فعلى التيار المنادي بالتصعيد أن يحدد إلى أية درجة سيتم التصعيد، فهناك فرق بين "رفع الصوت" وبين "الصراخ"، ما هي الدرجة المطلوبة من الفعل؟ بحيث تعالج الموضوع ولا تؤزمه. فبين إشعال الحرب وبين السكوت والقبول بهيمنة الطرف الآخر سلم واسع من الخيارات فهل اختبرناه؟
· يجب التمييز بين الأصل والاستثناء، فالدولة الحديثة في الغرب تكفل لكل مواطن الحق في أن ينشر فكره من خلال آليات ووسائل سلمية تضع المجتمع في مسار التدافع الفكري المحمود، لكن مجتمعاتنا اليوم تعيش حالة الاستثناء، فما نراه في العراق من احتقان بين السنة والشيعة يفرض على الأمة حالة استثنائية يجعلها تتهيب من أي فكر جديد قد يفتت المجتمع، لذلك يجب أن تضع في قائمة أولوياتها الحيلولة دون تفكك بقية المجتمعات وانقسامها فمنع تفكيك المجتمعات لا يقل أهمية عن صد العدوان الإسرائيلي الأمريكي، ويحتاج إلى استراتيجية مبدعة. وعلى الطرف الآخر حامل الفكر الوافد على المجتمع أن يدرك أنه عليه بدوره أن يحسن اختيار التوقيت، وتقدير الظروف، حتى لا يؤجج الصراع.
نحو استراتيجية عامةأما عن صناعة الاستراتيجية التي تعيد بناء مجتمعاتنا على أسس جديدة ففي تقديري أننا يجب أن نفكر عبر مسارين:الحل البنيوي طويل المدى:ويشمل ثلاثة أمور:المراجعات الفكرية لكل موروثاتنا الدينية والثقافية والتاريخية التي تذكي هذا الصراع، ليس من أجل تصويب أفكار الجيل الحالي من الطرفين الذي يعيثا في الأرض فساداً، ولكن من أجل تأسيس عقول أجيال جديدة يُنتزع منه فتيل الأزمة، أجيال جديدة تعي جيداً كل الأفكار المطروحة في مجتمعها، وتدرك أن تقرير الحقائق يختلف عن تقرير الحقوق، فالمسيحي يعترف بكفره ببعض ما يؤمن به المسلم، والمسلم يعترف بكفره ببعض ما يؤمن به المسيحي، فهذا إقرار بالحقائق، لكن ذلك لا يترتب عليه إهدار للحقوق، أو أن يكون أحدهما مواطناً من الدرجة الثانية.
تأسيس دولة المواطنة والعدل والحرية والمجتمع المترابط القوي، وهي الدولة حاملة المشروع الحضاري التي تحشد المجتمع كله في مسار للفعل، وعندما تتوافر في المجتمع القوانين والآليات التي تضبط التدافع الفكري والسياسي؛ لن يستطيع أحد أن يضر بالمجتمع، ويصبح المجتمع هنا حارس نفسه ضد أية محاولة لتفتيته. وها نحن نرى في بعض الدول الأوروبية كيف تتدافع الأفكار ضمن إطار مقنن. وكيف يصبح التنوع العرقي والديني والطائفي أداة يستثمرها المجتمع ويجعل منها طاقة خلاقة. وعندما تتخلى الدولة عن دورها تسمح لكل من شاء أن يتدخل لإشعال فتيل أزمة، أو إطفائها على طريقته الخاصة، لذلك يظل دور الدولة هنا هو دوراً محورياً يجب أن يستعاد.
بناء مجتمع مدني قوي قادر على أن يساهم مع الدولة في مشروع بناء وطن قوي موحد، من خلال مؤسساته المتنوعة والفعالة. التي تكون صمام أمان يحول دون اشتعال فتيل الأزمات.
الحل العاجل قصير المدى (إطفاء الحرائق)وإلى أن ينتهي هذا العمل الفكري الضخم ويصبح متاحاً في صيغة تناسب كل الشرائح العمرية؛ يتطلب الأمر استراتيجية للتعامل مع الأزمات من إجل إطفاء الحرائق، أو الحيلولة قدر الإمكان دن اشتعالها، وهذا يعني:· إيجاد آلية لرصد التوترات الطارئة وعلاجها، فمثل هذه القضايا قابلة للظهور على السطح في أية لحظة وتصبح صاعقاً قابلاً لتفجير أزمة جديدة، وقد تُحاصر وتحول إلى حالة توتر محدودة الأثر.
· وضع آليات تحكيم لفض المنازعات المختلفة الناشئة عن التوترات الطارئة، ووجود هذه الآليات يعيد التوازن – بدرجة من الدرجات -إلى الخطاب البيني بين أطراف مثل هذه المشاكل المزمنة.
· وضع آليات للتعامل المباشر مع الأزمة في حالة وجودها، عبر استخدام الوسائل السلمية وإحدث ضغط حقيقي على صناع الأزمة.
· استثمار الغالبية العظمى من المسلمين الرافضة لتفكيك بنية المجتمع، غير أنها غالبية غير منظمة وليس لها صوت عال، وإبداع استراتيجية لبناء قدرة هذه الغالبية وتنظيمها للدفاع عن المواطنة ومقاومة أي تهديد تفكيكي للمجتمع من الطرفين.
كانت هذه محاولة لوضع خطوط أولية لمآلات هذا الملف الشائك، وكيفية التعامل معه على المدى القريب والبعيد، حتى ندفع بأمتنا على طريق النهضة، ونقيها مآزق التقهقر إلى الوراء تحت شعارت دينية ومذهبية وعرقية وطائفية.

Monday, November 10, 2008

مَنْ يَهدِمُ القرضاوى ..؟






من يهدم القرضاوى المشروع، القرضاوى الفقه والفكر والتجديد والاجتهاد واللغة والبيان والإبداع .. من يهدم القرضاوى الشخص ؟

من المسئول تحديداً عن محاولة رسم صورة جديدة للشيخ بهذه الملامح، ملامح الفتنة بين أهل الدين الواحد، بإثارة الخلافات الفقهية والمذهبية وحديث الفروع، وملامح الفتنة بالذات والأنا، ثم ملامح الفتنة بالمرأة، ملامح المحب العاشق الواجد الولهان .. من المسئول عن ذلك ؟


من الذى يريد استبدال ملامحه الأصلية التى تكونت فى القرية، والكتّاب، والأزهر، والمعتقل، والمنبر، والجامعة، إلى ملامح أخرى لا تليق بعلمه، ولا مكانته، ولا سنه ..؟

من الذى أخفى كثيراً من مذكراته وأشعاره التى كتبها فى معرض الحكمة والجد والاجتهاد، وأظهر فقط لوسائل الإعلام أبيات الوجد والهوى التى كان يحكى فيها شوقى عن أيام الشباب وميعة الصبا، وسرعان ما تلاها شوقى نفسه بأبيات الندم :


والنفس من خيرها فى خير عافية
والنفس من شرها فى مرتعٍ وَخِمِ
تطغى إذا مُكِنَت من لذة
وهوىطغى الجياد إذا عضت على الشُكُمِ
فمن إذاً الذى أظهر لوسائل الإعلام كلمة الهوى فى سياق الوجد والهيام والغرام والعتب على اللائمين، وحجب عن وسائل الإعلام سياقاً آخر، هو سياق الحكمة والتوجيه والإرشاد ..

والكلمة واحدة ..؟ فى قصيدة واحدة ..!
لم تعهد الأمة الإسلامية نشراً لمذكرات أحد علمائها، كالنشر عن فضيلته هذه الأيام، فلا الشيخ الغزالى، ولا الشيخ الشعراوى، ولا حسن البنا، ولا رشيد رضا، ولا محمد عبده، ولا غيرهم من الأفذاذ على طول العالم الإسلامى وعرضه، نُشر عنه أسراره الشخصية التى يحتفظ بها داخل منـزله، ومشاعره الخاصة التى يسر بها إلى القريبين منه، وتقلباته وأحواله العاطفية التى هى بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، وجميعهم بشر، حدث لهم قطعاً ما حدث للشيخ، إلا أنهم لم يبوحوا بها للإعلام، ولم يحرصوا على إذاعتها للرأى العام، ولم يغافلهم أحدٌ من ذويهم بإذاعتها، فضلاً عن أن تكون مدعومة بالصور الفوتوغرافية التى تريد للقارئ أو للمشاهد أن يستقر فى ذهنه أمر ما، وأن يتحول ذهنه المرسومة فيه صورة القرضاوى القديمة ذات الهيبة والجلال إلى صورة جديدة بملامح جديدة وقسمات جديدة ...
ولو كان قرار نشر جزء من مذكرات الشيخ فى الإعلام، وعلى الملأ، هو قرارٌ نابعٌ من الشيخ نفسه لاختار – بحق – الجزء الخاص بأبنائه الناجحين المجدين، وبناته النابغات الفضليات، وأحفاده الصاعدين الواعدين، وجميعهم بلا استثناء قصص من النجاح والنبوغ والتفوق، بما ينبئ عن أن النجابة أصيلة فى العائلة، موروثة من القدم، ولكن النشر والإعلان – فيما يبدو – ليس بإراداة الشيخ، وليس بقرار من الشيخ، وإنما بإرادة أخرى وقرار آخر، لهدفٍ آخر ..

إن صاحب قرار النشر يريد أن يصنع تاريخ ميلاد جديد للشيخ، هو الأمس، والأمس القريب، لا يعترف بثمانين عاماً قضاها الشيخ بين العلم والعمل والجهاد والمثابرة وتربية وتنشأة أجيال وإقامة أسرة ممتدة، بل عائلة كبيـرة، هى بحق مفخرة لكل من ينتسب إليها، وشرف لكل من يتصل بها، كل ذلك يجب أن يهدر وأن يوضع فى خزائن النسيان، وألا يُعلن عنه، وألا يُنشر، وألا يُقذف به فى صحف الخليج ثم يمرر بطريقة جهنمية إلى الصحف والمجلات المصرية، لأن هذا كله تاريخ لا قيمة له ! القيمة الوحيدة للأمس والأمس القريب فقط ..!

إن القرضاوى يتعرض لهدم عظيم، لقد فشلت جهود الصهاينة فى مواجهة الرجل فى كل ميدان وأضحت فتاواه المُقاوِمة المُجاهِدة هى سندُ الشباب فى فلسطين وغيرها من أنحاء العالم الإسلامى المحتل، ولم يستطع الصهاينة أن يصلوا إلى الرجل، حتى فى لندن وحتى فى أمريكا، ولكن الصهاينة الآن سيفرحون كثيراً لأن صورة الشيخ آخذه فى التبدل والتغير، فهناك من يعمل جاهداً على رسم ملامح جديدة لفضيلته هى ملامح الفتنة، ولأن فضيلته فى المقابل وعلى ما اعتاد عليه طيلة حياته لا يجيد معارك الصغار ولا يواجه السفهاء، إنه قمة لا يحارب إلا قمم، إنه جبل لا يخاطب إلا كبار ..إن آلة هدمٍ تتعقب الشيخ فى كل مكان، وتطارده فى كل موقع، وسوف تخرج له من كل جحر، إنها ليست آلة .. إنها أفعى ..
بقلم ...أ/عصام سلطان

نشرتها جريدة اليوم السابع بتاريخ 11/11/2008